تحقيقات

القصة الكاملة لاختلالات تسيير مشروع يصل تمويله 32 مليارا

الأخبار (نواكشوط) – حصلت وكالة الأخبار على معلومات تفصيلية حول إنفاق مشروع تقوية تزويد مدينة نواذيبو بمياه الشرب من حوض بولنوار خلال 2021، وتكشف هذه المعلومات عمليات تلاعب بالتمويل، واختيارات لعمال وموردين في ظروف غامضة، وصرف للرواتب خارج نظام الرواتب المعتمد، إضافة لإبرام صفقات مع شركات تزامن إنشاء بعضها مع انطلاقة المشروع.

كما شملت الاختلالات صرف علاوات لأشخاص من خارج موظفي المشروع، وإنفاق عدة ملايين على المحروقات في وقت لا يملك المشروع أي سيارة، إضافة لوجود عدة سائقين من بين المكتتبين.

وتتجاوز ميزانية المشروع الذي أنشئ يناير 2021 – 32 مليار أوقية قديمة، ويفترض أن ينتهي قبل نهاية 2024، أي أن ميزانيته السنوية خلال هذه الأعوام الأربعة هي 8 مليارات كل عام.

بداية الصرف

وخلال ثلاثة أشهر الأولى من 2021، اختار المشروع عشرات العمال، ومع نهاية إبريل بدأ صرف رواتبهم عبر نظام السداد الخاص بالمشروع، رغم عدم قانونيته، قبل أن توقف الجهات المالية الإجراء.

 

وتغطي الوثائق والمعطيات التي حصلت عليها وكالة الأخبار تفاصيل الإنفاق في هذا المشروع خلال الفترة من إبريل إلى نوفمبر 2021.

وكشفت الوثائق أن منسق المشروع صرف رواتب عماله خلال شهري إبريل ومايو 2021 عبر “نظام السداد الخاص بالمشروع”، خلافا للنظم الاعتيادية والتي تجعل صرف الرواتب يتم حصرا عبر نظام الراتب الوطني الموحد.

وبلغ سقف الرواتب خلال الشهرين 24.380.000 أوقية قديمة، بمعدل: 12.190.000 عن كل شهر.

فيما بلغ مجموع من صرف لهم راتبي شهري إبريل ومايو من العام المنصرم 49 شخصا، بمن فيهم منسق المشروع.

التفاف جديد

وفور وقف وزارة المالية صرف رواتب عمال المشروع عبر نظام السداد الخاص، عمد منسقه إلى التفاف على القرار من خلال توزيع عماله إلى قسمين، كما تثبت ذلك الوثائق التي حصلت عليها الأخبار، قسم يتم صرف رواتبهم عبر نظام الرواتب الوطني الموحد، فيما بقي قسم آخر تصرف رواتبهم عبر نظام السداد الخاص بالمشروع، المخصص عادة المؤقت.

 

وتكشف الوثائق التي حصلت عليها الأخبار أن المبلغ الذي صرف كرواتب للعمال الذي لم يتم تحويلهم إلى نظام الرواتب وصل 3.160.000 أوقية شهريا، وذلك خلال الفترة من يونيو وحتى نوفمبر 2021.

ووصل عدد من صرفت رواتبهم عبر نظام السداد الخاص 30 شخصا.

محروقات بلا سيارات

كما كشفت وثائق المشروع التي حصلت عليها وكالة الأخبار صرف المشروع 24 مليون أوقية قديمة من إبريل إلى نوفمبر 2021 لصالح شركة “ستار ويل موريتانيا”، بمعدل ثلاثة ملايين أوقية كل شهر.

 

وتم صرف هذا المبلغ رغم أن المشروع الذي أنشئ يناير الماضي، وصرفت رواتب عماله ابتداء من شهر إبريل، لا يملك وفقا لوثائقه التي حصلت عليها الأخبار أي سيارة.

علاوات لخواص

كما كشفت الوثائق صرف المشروع علاوات وصل مجموعها خلال الأشهر الثمانية الماضية 6 ملايين أوقية قديمة، دون أن يعرف على وجه التحديد دور هذه الشخصيات التي توجد أسماؤها في قائمة منفصلة عن قائمة الموظفين.

وتم صرف هذه العلاوات لأول مرة ابتداء من 01 مايو 2021، وكانت عن شهر إبريل.

 

وبلغ هؤلاء عشرة أشخاص، كانت علاوة خمسة منهم 100 ألف أوقية قديمة شهريا، فيما كانت علاوة الخمسة المتبقية خمسين ألف أوقية قديمة شهريا.

شركات جديدة

وتظهر الوثائق وكشوف الصرف أن المشروع تعامل مع عشرات الشركات، وصرف لها نحو 50 مليون أوقية خلال ثمانية أشهر.

 

لكن كان لافتا أن من بين المؤسسات التي تعامل معها المشروع في مجال التوريد شركات تم إنشاؤها وتسجيلها بعد انطلاقة المشروع، ورغم عمرها القصير، وتجربتها المحدودة، نجحت في الحصول على صفقات من المشروع ذي الميزانية العملاقة.

ومن بين هذه الشركات “Baraka pour  les services informations” والتي تم تسجيلها لدى الشباك الموحد لإنشاء الشركات باسم سيدي أحمد محمد الأمين يغل، وذلك يوم 22 يونيو 2021، أي بعد نصف عام من إنشاء المشروع.

وقد استفادت هذه الشركة من عدة صفقات للمشروع، كانت أولها بعد نحو شهر من تسجيلها، أي يوم 27 يوليو 2021، فيما استفادت من صفقة أخرى يوم 23 سبتمبر، وكانت على موعد مع صفقتين لنفس المشروع يوم 30 أكتوبر 2021.

وكذا مؤسستا “ Mauri-Hydro”  و “Ets el Assala  commerce general” وقد تم تسجيلهما في اليوم نفسه أي يوم 23 إبريل 2021، وهو أول شهر يصرف فيها المشروع رواتب عماله.

وسجلتا على اسم محمد الأمين زايد وواه.

وقد حصلت شركة “الأصالة للتجارة العامة” على سبع صفقات من المشروع، كانت أولها يوم 29 مايو 2021، أي بعد شهر وأسبوع من تسجيلها لدى الشباك الموحد، كما حصلت على صفقة ثانية يوم 27 يونيو، وصفقتين يوم 03 أغسطس.

كما أنها حصلت على صفقة يوم 09 سبتمبر، وأخرى يوم 18 أكتوبر، وكانت الصفقة الأخيرة لها – وفقا للوثائق – يوم 30 أكتوبر.

أما شركة “” Mauri-Hydro” فحصلت على صفقة واحدة يوم 19 مايو 2021، وذلك بعد أقل من شهر من تسجيلها.

“سيبدأ قريبا”

وكان لافتا أن المشروع الذي أنشأ بداية 2021، ودخل قرضه مرحلة النفاذ يوم 31 ديسمبر 2020، كما عين له منسق بمذكرة صادرة عن وزير المياه والصرف الصحي في اليوم نفسه، وصرف عشرات الملايين خلال العام “لم يبدأ بعد”.

 

فخلال اجتماع في مدينة نواذيبو مساء الاثنين 20 ديسمبر 2021 قال وزير المياه والصرف الصحي محمد الحسن ولد بوخريص إن “الحل الجذري لمشكل العطش في نواذيبو، سيتم من خلال مشروع تقوية تزويد مياه نواذيبو عن طريق بحيرة بولنوار، الذي سيبدأ العمل فيه قريبا”.

وحضر الاجتماع أطر الشركة الوطنية للماء SNDE، وخصص لتقديم عرض حول وضعية الشبكة المائية في نواذيبو.

توضيحات رغم الرفض

وكالة الأخبار اتصلت على منسق المشروع محمد عبد الله الطالب، في النصف الأول من شهر يناير، طالبة توضيحات حول هذه المواضيع، حيث رد بأنه في عطلة داخل البلاد، وعندما يعود سيقدم التوضيحات اللازمة حول كل الإشكالات المتعلقة بالمشروع.

وبعد عودته عاودت الأخبار الاتصال به، ليرد بأنه كان على استعداد تام للرد على التساؤلات والإشكالات، لأنه ليس لديه ما يخفيه، مردفا أن المشروع وصلته بعثة من المفتشية العامة للدولة، وأن من غير المناسب الحديث عن أي تفصيل يتعلق بتسيير المشروع، حتى لا يكون في ذلك تشويش على عمل بعثة التفتيش، ولذا يعتذر عن الرد على الأسئلة في الظروف الحالية، مؤكدا أنه يرحب بكل الأسئلة والاستشكالات فور إكمال بعثة التفتيش مهمتها في المشروع.

وقد حصلت الأخبار على توضيحات من مصدر بارز في المشروع حول الاختلالات التي رصدتها فيه اعتمادا على الوثائق، حيث رأى في موضوع اختيار عمال المشروع أنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام؛ خبراء تم اكتتابهم عبر مسابقة تم الإعلان عنها عبر صحيفة “الشعب” وموقع “بيتا للإعلانات”، وقسم آخر تم اختياره عبر انتقاء الملفات، وثالث من العمال البسطاء الذي يختارون عادة في كل المشاريع والإدارات دون مسابقة.

وبخصوص الرواتب، قال المصدر إن القائمين على المشروع كانت لديهم الرغبة في أن تكون كل الرواتب التي يتم صرفها تتم عبر نظام الرواتب الوطني، غير أن وزارة المالية رفضت لهم ذلك، مردفا أن الرواتب التي تصرفها وزارة المالية يتم صرفها من ميزانية المشروع، تماما كما حال الرواتب التي تصرف عبر نظام السداد في المشروع.

وعن الشركات التي تعاقد معها المشروع، قال المصدر إن إدارة المشروع لا علاقة إطلاقا بتاريخ إنشاء الشركات، وليست مطالبة بالتدقيق في ذلك، مردفا أن كل الصفقات التي قام بها المشروع احترمت إجراءات الصفقات، سواء تمت عبر مناقصة أو عبر الاختيار من عروض محددة، وذلك وفقا لنصوص مدونة الصفقات، مؤكدا أن كل الصفقات التي قام بها المشروع أجازتها لجان الصفقات المختصة.

وعن تأخر انطلاقة المشروع – وفقا لتصريح وزير المياه والصرف الصحي – رغم بدأ صرف ميزانيته، قال المصدر البارز إن المرحلة التحضيرية للمشرواع اكتملت الآن، وتتكون من مراحل متعددة.

وأضاف أن هذه المرحلة تم فيها مسح ونزع جميع الألغام في منطقة حقل بولنوار من طرف الهندسة العسكرية، وإنجاز الدراسات الفنية الضرورية لحفر عشرة آبار سعتها 9600 طن يوميا، وإعداد قاعدة بيانات شاملة لشبكة المياه في نواذيبو، ودراسة الخط الكهربائي المزود للآبار بالطاقة، واكتمال جميع ملفات الصفقات.

وأردف أن المشروع وصل الآن مرحلة التوقيع لإنجاز الآبار، حيث ستوقع مع تجمع تقوده شركة “آكرينيك” بقيمة 500 مليون أوقية. قديمة.

وذكر المصدر البارز في المشروع بأن كل ما أنجزه تم خلال السنة المنصرمة، حيث إن  المشروع بدأت 2021 ولا يوجد منه سوى مذكرة بتعيين منسقه، واكتملت كل مراحله التحضرية، من نصوص ودراسات قبل نهاية السنة.

مشروع للمستقبل

وتقول الورقة التعريفية للمشروع إن هدفه هو “سد العجز الحاصل في تلبية الطلب على مياه الشرب في مدينة نواذيبو، وتغطية الاحتياجات المستقبلية لسكانها حتى عام 2036”.

 

ويتوزع تمويل المشروع إلى قرض بقيمة تفوق 29 مليار أوقية قديمة مقدم من الصندوق العربي للأنماء الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يمثل نسبة 88% من تمويل المشروع، أما بقية التمويل فمن ميزانية الدولة الموريتانية.

وصادقت الحكومة الموريتانية على اتفاقية هذا القرض خلال اجتماعها يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2020، وأحالتها إلى البرلمان حيث صادق عليها يوم 09 نوفمبر 2020، وفي يوم 31 ديسمبر دخل القرض حيز النفاذ على مستوى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وهو اليوم ذاته الذي عينت فيه وزارة المياه منسقا للمشروع.

ويفترض أن يسعى المشروع لتحقيق هذا الهدف من خلال تأهيل الآبار القائمة في حوض بولانوار وحفر آبار جديدة، وتجميع ونقل المياه إلى مدينة نواذيبو، فضلا عن تخفيض كميات المياه المفقودة في شبكات نواذيبو لتوزيع المياه، والحد من الاحتيال على المياه من قبل السكان والمزارعين.

ويتضمن المشروع تأهيل وتقوية منشآت مياه نواذيبو، عبر تأهيل الآبار القائمة في حوض بولنوار الجوفي، وحفر 4 آبار لتعويض الآبار المتعطلة وتجهيزها، وتأهيل وتقوية شبكات توزيع المياه في مدينة نواذيبو من خلال مد حوالي 33 كم من الأنابيب تتراوح أقطارها بين حوالي 100 و 400 مم، والقيام بأعمال كشف لتسريبات المياه وإصلاحها، واستبدال حوالي 4000 عداد للمشتركين، وإنشاء خزان سعته حوالي 500 م3، وشبكة لتوزيع المياه في قرية بولنوار.

كما يشمل استبدال التوصيلات غير الشرعية القائمة على خطوط تجميع مياه آبار بولنوار وعلى خط نقل المياه باشتراكات منظمة ومجهزة بعدادات للمياه، وإنشاء حوالي 10 آبار جديدة وتجهيزها بمضخات غاطسة تبلغ طاقتها حوالي 100 م3/ الساعة بارتفاع يبلغ حوالي 120 م، ومد خطوط من الأنابيب لتجميع مياه الآبار يبلغ إجمالي أطوالها حوالي 16 كم وتتراوح أقطارها بين حوالي 150 و 400 مم.

تعليق توقيع

وقبيل نشر الأخبار للموضوع، علمت من مصادر في وزارة المياه أن وزير الميا علق توقيع منسق المشروع.

كما وصل فريق من المفتشية العامة للدولة، وباشر تفتيش المشروع، والتدقيق في صرف ميزانيته، ضمن تفتيش عام لكل المشاريع التابعة لوزارة المياه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى